ثاني الخلفاء الراشدين -13 هـ/634 م- أسلم قبل الهجرة بخمس سنين وبويع بالخلافة بعد وفاة أبي بكر الصديق، وهو أول من لقب بأمير المؤمنين، ولاه أبو بكر القضاء في عهده فكان أول قاض في الإسلام، وهو أول من بدأ التأريخ بسنة الهجرة النبوية، أول من دون الدواوين في الإسلام، في أيامه تم فتح الشام والعراق والقدس والمدائن ومصر والجزيرة وخراسان وسجستان وقبرص.
صاحب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأمير المؤمنين، ويلقب رضي الله عنه بالفاروق، قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «إنّ الله جَعَل الحقّ على لسان عمر وقلبه وهو الفاروق فرق الله به بين الحقّ والباطل»، ويُكنى عمر رضي الله عنه أبا حفص.
[] إســــلامه:
يروي أنَس بن مالك في قصة إسلام عمر قال: أن عمر خرَج مُتَقَلِّدًا السيف فلقيه رجلٌ من بَني زُهرة قال: أين تَعْمِدُ يا عمر؟ فقال: أريد أن أقتل محمّدًا، قال: وكيف تأمَنُ في بني هاشم وبني زُهرة وقد قتلتَ محمّدًا؟ قال فقال عمر: ما أراك إلاّ قد صَبوتَ وتَركتَ دينك الذي أنت عليه، قال: أفلا أدُلّك على العجب يا عمر؟ إنّ خَتَنَك وأختَكَ قد صَبَوَا وتركا دينَك الذي أنتَ عليه، قال فمشى عُمر ذامرًا حتّى أتاهما وعندهما رجلٌ من المهاجرين يقال له خَبّاب، قال فلمّا سِمع خَبّاب حِسّ عمر توارى في البيت، فدخل عليهما فقال: ما هذه الهَيْنَمَةُ التي سمعتُها عندكم؟ قال وكانوا يقرءون [طه] فقالا: ما عدا حديثًا تحدّثناه بيننا، قال: فلعلّكما قد صَبوْتُما؟ قال فقال له خَتَنُه: أرأيتَ يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك؟ قال فوثَبَ عمر على خَتنه فَوطِئه وَطْأً شديدًا فجاءت أختُه فدفعتهُ عن زوجها فنفحها بيده نَفْحَةً فَدَمَّى وجهها فقالت وهي غَضْبَى: يا عمر إن كان الحقّ في غير دينك، أَشْهَدُ أنْ لا إله إلاّ الله وأَشْهَدُ أنّ محمّدًا رسول الله، لمّا يئس عمر قال: أعطوني هذا الكتاب الذي عندكم فأقرأه، قال: وكان عمر يقرأ الكتب، فقالت أخته: إنّك رِجْسٌ ولا يمسه إلاّ المطهّرون فقُمْ فإغتسل أو تَوضّأ، قال فقام عمر فتوضّأ ثمّ أخذ الكتاب فقرأ: {طه} حتّى إنتهى إلى قوله: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي} [طه:1-14] قال: فقال عمر: دُلّوني على محمّد، فلمّا سمع خبّاب قولَ عمر خرَج من البيت، فقال: أبْشِرْ يا عمر فإني أرجو أن تكون دعوةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم لك ليلة الخميس: «اللّهمّ أعِزّ الإسلام بعمر بن الخطّاب أو بعَمرو بن هشام» قال: ورسول الله صَلَّى الله عليه وسلم في الدار التي في أصل الصَّفَا فإنطلقَ عمر حتّى أتى الدار، قال وعلى باب الدار حَمزة، وطَلحة، وأُناس من أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا رأى حمزةُ وَجَلَ القومِ من عمر قال حمزة: نعم فهذا عمر، فإن يُرِدِ اللهُ بعمر خيَرًا يُسلِمْ ويتبع النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم وإنْ يُرِدْ غير ذلك يكن قتله علينا هيّنًا، قال والنّبيّ عليه السلام داخلٌ يُوحَى إليه قال فخرج رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم حتّى أتى عمر فأخذ بمجامع ثَوبه وحمائل السيف فقال: «أما أنت منتهيًا يا عمر حتّى يُنْزِلَ اللهُ بك من الخِزْي والنَّكَال ما أنزل بالوليد بن المغِيرة؟ اللّهمّ هذا عمر بن الخطّاب، اللّهمّ أعِزّ الدين بعُمر بن الخطّاب»، قال فقال عمر: أشْهَدُ أنّكَ رسول الله، فأسلّم.
وكان لإسلام عمر رضي الله عنه الأثر العظيم على الإسلام والمسلمين، قال عبد الله بن مسعود: كان إسلامُ عمر فتحًا، وكانت هجرته نَصرًا، وكانت إمارته رَحمةً، لقد رأيتُنا وما نستطيع أن نصلّي بالبيت حتّى أسلم عمر، فلمّا أسلَم عمر قاتَلَهم حتّى تركونا فصلّينا، وقال: ما زِلْنا أعِزّةً منذ أسلَم عُمر، وكان إِسلام عمر رضي الله عنه في السنة السادسة.
[] منــــاقبه:
وقد وردت روايات عديدة في فضله رضي الله عنه من ذلك حديث ابن عمر قال: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ الْحَقَّ عَلَى لِسَانِ عُمَرَ وَقَلْبِهِ» وروى أبو سعيد الخدريّ أنه سمع رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم يقول: «بَيْنَا أَنا نَائِمٌ وَالنَّاسُ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ، وَعَلَيْهِمْ قُمصٌ، فَمِنْهَا ما يَبْلُغُ إِلَى الثَّدْي، وَمِنْها دُونَ ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ وَعَلَيْه قَمِيص يَجُرُّهُ»، وروى جابر أن رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم قال: «دَخَلْتُ الجَنَّةَ فَرَأَيْتُ فِيهَا دَارًا» أَوْ قَالَ: «قَصْرًا، وَسَمِعْتُ فِيهِ ضَوْضَأَةً، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَظَنَنْتُ أَنِّي أَنَا هُوَ، فَقُلْتُ: مَنْ هُوَ؟ فَقِيلَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَلَوْلَا غِيرَتُكَ يَا أَبَا حَفْصٍ لَدَخلْتهُ»، فَبَكى عمر، وقال: أعليك يغار؟.
ونزل القرآن الكريم بموافقته في أَسْرَى بَدْر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم، وكذلك حديث عقبة بن عامر، وأبي هريرة عن النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم أنه قال: «لَوْ كَانَ بَعْدِي نَبِيٌّ لَكَانَ عُمَر».
وعن علم عمر رضي الله عنه روى أبو سلمة، عن عائشة قالت: قال رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: «قَدْ كَانَ فِي الأُمَمِ قَبْلَكُمْ مُحَدّثُونَ، فَإِنْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الأُمَّةِ أَحَدٌ فَعُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ» أخرجه مسلم، ومع ذلك كله نجده رضي الله عنه يقول عن نفسه: ما سابقت أبا بكر إلى خير قط إلا سبقني إليه، ولوددت أني شعرة في صدر أبي بكر.
[] خــــلافته:
ولمّا تُوفي رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم واستُخلف أبو بكر الصّدّيق، كان يقال له خليفةُ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فلمّا توفي أبو بكر رحمه الله وإستُخلف عمر بن الخطّاب رضي الله عنه قيل لعمر خليفة خليفة رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقال المسلمون: فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله عليه السلام فيطول هذا، ولكن أجْمِعُوا على إسمٍ تدعون به الخليفة يُدْعَ به مَنْ بعده من الخلفاء، فقال بعض أصحاب رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم: نحن المؤمنون وعمر أميرنا، فدُعي عمر أمير المؤمنين، فهو أوّل من سُمّي بذلك. وعمر بن الخطاب رضي الله عنه هو أوّل من كتب التاريخ، فكتبه من هجرة النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم من مكّة إلى المدينة، وهو أوّل من جمع القرآن في الصّحُف، وهو أوّل من سنّ قيام شهر رمضان وجَمَعَ النّاس على ذلك وكتب به إلى البلدان، وذلك في شهر رمضان سنة أربع عشرة، وهو أوّل من ضرب في الخمر ثمانين وإشتدّ على أهل الرّيَب والتّهَم، وأحرق بيت رُويشد الثقفي وكان حانوتًا، وغَرّبَ ربيعة بن أُميّة بن خلف إلى خيبر وكان صاحب شراب، فدخل أرضَ الرّوم فإرتدّ.
وهو أوّل من عَسّ في عمله بالمدينة وحمل الدِّرّة وأدّبَ بها، ولقد قيل بعده: لَدِرّةُ عمر أهْيَبُ من سيفكم، وهو أوّل من مصَّر الأمصار: الكوفة والبصرة والجزيرة والشام ومصر والموصل، وأوّل من دوّن الديوان وكتب النّاس على قبائلهم وفرض لهم الأعْطِيَةَ من الفيء وقَسَمَ القسوم في النّاس، وفرض لأهل بدر وفَضّلَهم على غيرهم، وفرض للمسلمين على أقدارهم وتقَدُّمهم في الإسلام، وهو أوّل من حمل الطعام في السّفُن من مصر في البحرِ حتّى ورد البحر، وهو الذي أخرج اليهود من الحجاز وأجلاهم من جزيرة العرب إلى الشام، وأخرج أهل نجران وأنزلهم ناحية الكوفة.
وفي شدة حرصه رضي الله عنه على الرعية روي عنه أنه قال: لو مات جَمَلٌ ضَياعًا على شَطّ الفرات لَخَشِيتُ أن يسألني الله عنه، وكان رضي الله عنه يُدْخِلُ يده في دَبَرَة البَعير ويقول: إني لخائفٌ أن أُسْأل عَمّا بك، وروى ابن المسيّب، عن عمر قال: أيّما عاملٍ لي ظَلَمَ أحدًا فبلغتني مَظْلَمَتُهُ فلم أُغَيّرْهَا فأنا ظَلَمْتُهُ، كما قال: إني لأتَحَرّج أنْ أستعملَ الرجل وأنا أجِدُ أقوى منه.
وكان رضي الله عنه أشد عدلًا مع أهله، فكان عمر إذا أراد أن يَنْهَى النّاس عن شيء تقدّم إلى أهله فقال: لا أعْلَمَنّ أحدًا وَقَعَ في شيء ممّا نهيتُ عنه إلا أضعفتُ له العقوبة، وكان إذا أتاه الخصمان برك على رُكْبَتَيْه، وقال: اللّهمّ أعِنّي عليهما فإنّ كلّ واحدٍ منهما يريدني عن ديني. وروي أَن عمر بن الخطاب طاف ليلة، فإِذا هو بامرأَة في جوف دار لها وحولها صبيان يبكون، وإِذا قدْر على النار قد ملأَتها ماء، فدنا عمر بن الخطاب من الباب، فقال: يا أَمة الله، أَيْشٍ بكاءُ هؤلاءِ الصبيان؟ فقالت: بكاؤُهم من الجوع، قال: فما هذه القدر التي على النار؟ فقالت: قد جعلت فيها ماءً أُعَللِّهم بها حتى يناموا، أُوهمهم أَن فيها شيئًا من دقيق وسمن، فجلس عمر فبكى، ثم جاءَ إِلى دار الصدقة فأَخذ غرَارة، وجعل فيها شيئًا من دقيق وسمن وشحم وتمر وثياب ودراهم، حتى ملأَ الغرارة، ثم قال: يا أَسلم، إحمل عليّ، فقلت: يا أَمير المؤمنين، أَنا أَحمله عنك! فقال لي: لا أُمَّ لك يا أَسلم، أَنا أَحمله لأَني أَنا المسؤول عنهم في الآخرة، قال: فحمله على عنقه حتى أَتى به منزل المرأَة، قال: وأَخذ القدر، فجعل فيها شيئًا من دقيق وشيئًا من شحم وتمر، وجعل يحرك بيده وينفخ تحت القدر، قال أَسلم: وكانت لحيته عظيمة، فرأَيت الدخان يخرج من خَلَل لحيته، حتى طبخ لهم، ثم جعل يغرف بيده ويطعمهم حتى شبعوا، ثم خرج وَرَبض بحذائهم كأَنه سَبْعٌ، وخفت منه أَن أَكلمه، فلم يزل كذلك حتى لعبوا وضحكوا، ثم قال: يا أَسلم، أَتدري لم ربضت بحذائهم؟ قلت: لا، يا أَمير المؤمنين! قال: رأَيتهم يبكون، فكرهتُ أَن أَذهب وأَدعهم حتى أَراهم يضحكون، فلما ضحكوا طابت نفسي.
[] عبــــادته:
وفي عبادته رضي الله عنه قال زياد بن حُدَيْر: رأيتُ عمر أكثر النّاس صيامًا وأكثرهم سواكًا، كان عمر بن الخطّاب يُحِبّ الصلاة في وسط اللّيل، وعن عمر أنّه إستأذن النّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم في العُمْرة فأذِنَ له فقال له النّبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تَنْسَنَا يا أخي من دعائك».
وروى أبو عُمير الحارث بن عمير، عن رجل أنّ عمر بن الخطّاب رقي المنبر، وجمع النّاس فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال: أيّها النّاس لقد رأيتُني وما لي من أَكَال يَأكُلُه النّاس، إلاّ أنّ لي خالاتٍ من بني مخزوم، فكنتُ أستعذِبُ لهنّ الماءَ فَيُقَبِّضْنَ لي القبضات من الزبيب، قال ثمّ نزل عن المنبر فقيل له: ما أردتَ إلى هذا يا أمير المؤمنين؟ قال: إني وجدتُ في نفسي شيئًا فأردتُ أن أطأطىءَ منها، قال سفيان بن عُيينة: قال عمر بن الخطّاب: أحبّ النّاس إليّ من رفع إليّ عيوبي.
[] ورعـــه:
دخل عمر بن الخطّاب على حفصة إبنته فقَدّمَتْ إليه مَرَقًا باردًا وخُبزًا وصَبّتْ في المرق زيتًا فقال: أُدْمانِ في إناءٍ واحدٍ!؟ لا أذوقه حتى ألقى الله! روى مالك بن مِغْول: أَنه بلغه أَن عمر بن الخطاب قال: حاسبوا أَنفسكم قبل أَن تحاسبوا، فإِنه أَهون -أَو قال: أَيسر- لحسابكم، وزنوا أَنفسكم قبل أَن توزنوا، وتجهزوا للعرض الأَكبر: {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:18].
وقف أَعرابي على عمر بن الخطاب فقال: يَا عُمَرَ الْخَيرِ جُزِيتَ الْجَنَّةْ جَهِّزْ بُنَيَّاتِي وَاكْسُهُنَّهْ أُقْسِمُ بِالله لَتَفْعَلَنَّهْ قال: فإِن لم أَفعل يكون ماذا يا أَعرابي؟ قال: أَقْسِم باللّهِ لأَمْضِيَنَّه، قال: فإِن مَضَيتَ يكون ماذا يا أَعرابي؟ قال: وَالله عَنْ حَالِي لَتُسْأَلَنَّهْ ثُمَّ تَكُونُ الْمَسْأَلاَتُ عَنَّهْ وَالْوَاقِفُ الْمَسْؤُولُ بَيْنَهُنَّهْ إِمَّا إِلَى نَارٍ وَإِمَّا جَنَّهْ فبكى عمر حتى إخضَلَّت لحيته بدموعه، ثم قال: يا غلام، إعطه قميصي هذا، لذلك اليوم لا لِشعره، والله ما أَملك قميصًا غيره!
[] الفتوحات في عهده:
وهو من فتح العراق كلّه، وأذربيجان، وفارس، والشام ما خلا أجنادين فإنّها فتحت في خلافة أبي بكر الصديق رحمه الله وفتح عمر مصر، وحضر فتح بيت المقدس، وقُتِل رحمه الله وخَيْلُه على الريّ وقد فتحوا عامّتها.
[] عام الرمادة:
وقد كان عام الرمادة على عهده رضي الله عنه فلما صدر النّاس عن الحجّ سنة ثماني عشرة أصابَ النّاسَ جَهْدٌ شديد وأجْدَبَت البلاد وهلكت الماشية وجاع الناس وهلكوا، حتى كان الناس يُرَوْن يَسْتَفّون الرمّة ويَحْفِرُون نُفَقَ اليرابيع والجُرْذان يُخْرِجون ما فيها، وسُمّيَ ذلك العام عامَ الرمادة، لأنّ الأرض كلها صارت سوداءَ فشُبّهتْ بالرماد، وكانت تسعةَ أشهر.
وروى زيد بن أسلم عن أبيه قال: كنّا في الرمادة لا نرى سحابًا، فلمّا إستسقى عمر بالنّاس مكثنا أيّامًا ثمّ جعلنا نرى قَزَعَ السحاب، وجعل عمر يُظهر التّكبير كلّما دخل وخرج ويُكبّرُ الناس حتى نظرنا إلى سحابة سوداء طلعت من البحر ثمّ تشاءَمت فكانت الحياة بإذن الله.
[] من كراماته:
كان رضي الله عنه يخطب يوم الجمعة على منبر رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فعرض له في خطبته أَن قال: يا ساريةَ بن حصن، الجبل الجبل، من استرعى الذئب ظَلَم، فتلفَّت الناسُ بعضهم إِلى بعض، فقال عليّ: صدق، والله ليخرجن مما قال، فلما فرغ من صلاته قال له علي: ما شيءٌ سنح لك في خطبتك؟ قال: ما هو؟ قال: قولك: يا سارية، الجبلَ الجبلَ، من إسترعى الذئب ظلم، قال: وهل كان ذلك مني؟ قال: نعم، وجميع أَهل المسجد قد سمعوه، قال: إِنه وقع في خلَدِي أَن المشركين هَزَموا إِخواننا، فركبوا أَكتافهم، وأَنهم يمرون بجبل، فإِن عدلوا إِليه قاتلوا من وجدوا وقد ظفروا، وأَن جاوزوا هلكوا، فخرج مني ما تزعم أَنك سمعته، قال: فجاءَ البَشِير بالفتح بعد شهر، فذكر أَنهُ سُمع في ذلك اليوم في تلك الساعة، حين جاوزوا الجبل صوت يشبه صوت عمر، يقول: يا ساريةَ ابن حصن، الجبلَ الجبلَ، قال: فعدلنا إِليه، ففتح الله علينا.
[] وفــــاته:
وقد نال عمر رضي الله عنه الشهادة التي وعده بها رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، فقد روى ابن عمرَ أنّ النَّبيّ صَلَّى الله عليه وسلم رأى على عمر قميصًا أبيضا، وقال: «جَدِيدٌ قَمِيصُكَ أَمْ غَسِيلٌ»؟ قال: بل غسيل، قال: «الْبِسْ جَدِيدًا، وَعِشْ حَمِيدًا، وَمتْ شَهِيدًا، وَيَرْزُقُكَ اللَّهُ قُرَّة عَيْن فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ»، وروت حفصة زوج النبيّ صَلَّى الله عليه وسلم، أنّها سمعت أباها يقول: اللهمّ ارْزُقْني قَتْلًا في سبيلك ووفاة في بلد نبيّك، قال: قلت وأنّى ذلك؟ قال: إنّ الله يأتي بأمره أنّى شاء.
وقد وردت قصة إستشهاد عمر رضي الله عنه من عدة طرق منها: ما رواه عامر بن عبد الله بن الزّبير، عن أبيه قال: غدوْتُ مع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه إلى السّوق وهو متّكئ على يدي، فلقيه أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فقال: ألا تكلم مولاي يضع عني من خراجي! قال: كم خراجك؟ قال: دينار، قال: ما أرى أن أفعل، إنك لعامل محسن، وما هذا بكثير، ثم قال له عمر: ألا تعمل لي رحى؟ قال: بلى، فلما ولّى قال أبو لؤلؤة: لأعملنّ لك رحى يُتحدث بها ما بين المشرق والمغرب، قال: فوقع في نفسي قوله، قال: فلما كان في النّداءِ لصلاة الصّبح خرج عمر إلى النّاس يؤذنهم للصّلاة، قال ابن الزّبير: وأنا في مصلّاي وقد إضطجع له عدوُّ الله أبو لؤلؤة، فضربه بالسّكين ستّ طعنات إحداهنّ تحت سرّته وهي قتلته، فصاح عمر: أين عبد الرّحمن بن عوف؟ فقالوا: هو ذا يا أمير المؤمنين، قال: تقدَّمْ فصلّ بالنّاس، فتقدّم عبد الرّحمن بالناس، وقرأ في الركعتين ب: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، {وقُلْ يَأَيُّهَا الْكَافِرُونَ}، وإحتملوا عمر فأَدخلوه منزله، فقال لإبنه عبد الله: أخرُجْ فانظر مَنْ قتلني، قال: فخرج عبد الله بن عمر فقال: مَنْ قتل أمير المؤمنين؟ فقالوا: أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة، فرجع فأَخبر عمر، فقال: الحمد لله الذي لم يجعل قَتْلي بيد رجل يحاجّني بلا إله إلا الله.
وقالوا له حين حَضَرَه الموت: اسْتَخْلِفْ، فقال: لا أجدُ أحدًا أحَقّ بهذا الأمر من هؤلاء النفر الذين تُوُفّيَ رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، فأيّهم اسْتُخْلِفَ فهو الخليفة من بعدي، فسَمّى عليًّا، وعثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن، وسعدًا، فإنْ أصابَتْ سعدًا فذاك وإلا فأيّهم إستُخلِفَ فَلْيَسْتَعِنْ به، فإنّي لم أعْزِلْه عن عَجْز ولا خيانة، وجَعَلَ عبدَ الله معهم يشاورونه وليس له من الأمر شيءٌ، قال فلمّا إجتمعوا قال عبد الرحمن: اجْعَلوا أمركم إلى ثلاثة نفر منكم، فجعل الزبير أمره إلى عليّ، وجعل طلحة أمره إلى عثمان، وجعل سعدٌ أمره إلى عبد الرحمن، فَأْتَمَرَ أولئك الثلاثة حين جُعِلَ الأمرُ إليهم، فقال عبد الرحمن: أيّكُم يَبْرَأُ من الأمر ويَجْعَلُ الأمْرَ إليّ ولكم الله عَلَيّ ألاّ آلُوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين، فأسْكَتَ الشيخان: عليّ وعثمان، فقال عبد الرحمن: تَجْعَلانِهِ إليّ وأنا أخْرُجُ منها فوالله لا آلوكم عن أفضلكم وخيركم للمسلمين، قالوا: نَعَمْ، فخَلا بعَليّ فقال: إنّ لك من القرابة من رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، والقِدَم والله عليك لَئن إستخلفتَ لَتَعْدِلَنّ ولئن إستخلف عثمان لَتَسْمعَنّ ولتُطيعَن، فقال: نعم، قال وخلا بعثمان فقال مثلَ ذلك، قال فقال عثمان فنعم، قال فقال ابْسُطْ يدك يا عثمان، فبسط يده فبايعه عليّ والناس.
وقد أوصى عمر رضي الله عنه أن يدفن بحوار رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه فأرسل عمر بن الخطّاب إلى عائشة أن: ائْذَني لي أن أُدْفَنَ مع صاحبَيّ، فأذنت له.
وروت عائشة قالت: ما زِلْتُ أضع خِماري وأتَفضّلُ في ثيابي في بيتي حتى دُفن عمر بن الخطّاب فيه، فلم أزَلْ متحفّظة في ثيابي حتى بَنَيْتُ بيني وبين القبور جِدارًا فتفضّلتُ بعدُ. توفّي عمر لأربع ليالٍ بقين من ذي الحجّة وبويعَ لعثمان يوم الاثنين لليلة بقيت من ذي الحجّة فإسْتَقْبَلَ بخلافته المحرّم سنة أربع وعشرين.
وتوفي رضي الله عنه وقد بلغ من العمر ثلاثًا وستين عامًا، أي ذات السن التي توفي عليه رسول الله صَلَّى الله عليه وسلم، وأبو بكر الصديق رضي الله عنه.
المصدر: موقع صحابة رسول الله.